فصل: قال السعدي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وقوله: {كذلك يحي الله الموتى} الإشارة إلى محذوف للإيجاز أي فضربوه فحيي فأخبر بمن قتله أي كذلك الإحياء يحي الله الموتى فالتشبيه في التحقق وإن كانت كيفية المشبه أقوى وأعظم لأنها حياة عن عدم بخلاف هاته فالمقصد من التشبيه بيان إمكان المشبه كقول المتنبي:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ** فإن المسك بعض دم الغزال

وقوله: {كذلك يحي الله الموتى} من بقية المقول لبني إسرائيل فيتعين أن يقدر وقلنا لهم كذلك يحي الله الموتى لأن الإشارة لشيء مشاهد لهم وليس هو اعتراضًا أريد به مخاطبة الأمة الإسلامية لأنهم لم يشاهدوا ذلك الإحياء حتى يشبه به إحياء الله الموتى.
وقوله: {لعلكم تعقلون} رجاء لأن يعقلوا فلم يبلغ الظن بهم مبلغ القطع مع هذه الدلائل كلها.
وقد جرت عادة فقهائنا أن يحتجوا بهذه الآية على مشروعية اعتبار قول المقتول: دمي عند فلان موجبًا للقسامة ويجعلون الاحتجاج بها لذلك متفرعًا على الاحتجاج بشرع من قبلنا، وفي ذلك تنبيه على أن محل الاستدلال بهذه الآية على مشروعية ذلك هو أن إحياء الميت لم يقصد منه إلاَّ سماع قوله فدل على أن قول المقتول كان معتبرًا في أمر الدماء.
والتوراة قد أجملت أمر الدماء إجمالًا شديدًا في قصة ذبح البقرة التي قدمناها، نعم إن الآية لا تدل على وقوع القسامة مع قول المقتول ولكنها تدل على اعتبار قول المقتول سببًا من أسباب القصاص، ولما كان الظن بتلك الشريعة أن لا يقتل أحد بمجرد الدعوى من المطعون تعين أن هنالك شيئًا تقوى به الدعوى وهو القسامة.
وقد أورد على احتجاج المالكية بها أن هذا من خوارق العادات وهي لا تفيد أحكامًا وأجاب ابن العربي بأن المعجزة في إحياء الميت فلما حيي صار كلامه ككلام سائر الأحياء، وهو جواب لطيف لكنه غير قاطع.
والخلاف في القضاء بالقسامة إثباتًا ونفيًا وفي مقدار القضاء بها مبسوط في كتب الفقه وقد تقصاه القرطبي وليس من أغراض الآية. اهـ.

.قال الفخر:

من الناس من استدل بقوله تعالى: {كذلك يُحْيِ الله الموتى} على أن المقتول ميت وهو ضعيف لأنه تعالى قاس على إحياء ذلك القتيل إحياء الموتى، فلا يلزم من هذا كون القتيل ميتًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَيُرِيكُمْ ءاياته}:

.سؤال: لقائل أن يقول: إن ذلك كان آية واحدة فلم سميت بالآيات؟

والجواب: أنها تدل على وجود الصانع القادر على كل المقدورات.
العالم بكل المعلومات، المختار في الإيجاد والإبداع، وعلى صدق موسى عليه السلام، وعلى براءة ساحة من لم يكن قاتلًا.
وعلى تعين تلك التهمة على من باشر ذلك القتل، فهي وإن كانت آية واحدة إلا أنها لما دلت على هذه المدلولات الكثيرة لا جرم جرت مجرى الآيات الكثيرة. اهـ.

.قال أبو حيان:

والظاهر أن الآيات جمع في اللفظ والمعنى، وهي ما أراهم من إحياء الميت، والعصا، والحجر، والغمام، والمنّ والسلوى، والسحر، والبحر، والطور، وغير ذلك.
وكانوا مع ذلك أعمى الناس قلوبًا، وأشد قسوة وتكذيبًا لنبيهم في تلك الأوقات التي شاهدوا فيها تلك العجائب والمعجزات.
وقال صاحب المنتخب: {ويريكم آياته}، وإن كانت آية واحدة، لأنها تدل على وجود الصانع القادر على كل المقدورات، العالم بكل المعلومات، المختار في الإيجاد والإبداع، وعلى صدق موسى عليه الصلاة والسلام، وعلى براءة ساحة من لم يكن قاتلًا، وعلى تعين تلك التهمة على من باشر ذلك القتل. انتهى كلامه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ويريكم آياته} ودلائله الدالة على أنه تعالى على كل شيء قدير، ويجوز أن يراد بالآيات هذا الإحياء، والتعبير عنه بالجمع، لاشتماله على أمور بديعة من ترتب الحياة على عضو ميت وإخباره بقاتله، وما يلابسه من الأمور الخارقة للعادة. اهـ.

.قال الألوسي:

{كذلك يُحْيِ الله الموتى} جملة اعتراضية تفيد تحقق المشبه وتيقنه بتشبيه الموعود بالموجود، والمماثلة في مطلق الإحياء، وفي الكلام حذف دلت عليه الجملة أي فضربوه فحيي، والتكلم من الله تعالى مع من حضر وقت الحياة والكاف خطاب لكل من يصح أن يخاطب ويسمع هذا الكلام لأن أمر الإحياء عظيم يقتضي الاعتناء بشأنه أن يخاطب به كل من يصح منه الاستماع فيدخل فيه أولئك دخولًا أوليًا، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَيُرِيكُمْ} الخ ولابد على هذا من تقدير القول أي قلنا أو وقلنا لهم كذلك ليرتبط الكلام بما قبله، وقيل: حرف الخطاب مصروف إليهم، وكان الظاهر كذلكم على وفق ما بعده إلا أنه أفرده بإرادة كل واحد أو بتأويل فريق ونحوه قصدًا للتخفيف، ويحتمل أن يكون التكلم مع من حضر نزول الآية، وعليه لا تقدير إذ ينتظم بدونه بل ربما يخرج معه من الانتظام، وأبعد الماوردي فجعله خطابًا من موسى نفسه عليه السلام.
{وَيُرِيكُمْ ءاياته} مستأنف أو معطوف على ما قبله، والظاهر أن الآيات جمع في اللفظ والمعنى، والمراد بها الدلائل الدالة على أن الله تعالى على كل شيء قدير، ويجوز أن يراد بها هذا الإحياء، والتعبير عنه بالجمع لاشتماله على أمور بديعة من ترتب الحياة على الضرب بعضو ميت، وإخبار الميت بقاتله وما يلابسه من الأمور الخارقة للعادات، وفي المنتخبأن التعبير عن الآية الواحدة بالآيات لأنها تدل على وجود الصانع القادر على كل المقدورات العالم بكل المعلومات المختار في الإيجاد والإبداع، وعلى صدق موسى عليه السلام، وعلى براءة ساحة من لم يكن قاتلًا، وعلى تعين تلك التهمة على من باشر القتل. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}:

.قال الألوسي:

{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي لكي تعقلوا الحياة بعد الموت والبعث والحشر فإن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء الأنفس كلها لعدم الاختصاص.
{مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحدة} [لقمان: 8 2] أو لكي يكمل عقلكم أو لعلكم تمتنعون من عصيانه وتعملون على قضية عقولكم، وقد ذكر المفسرون أحكامًا فقهية انتزعوها واستدلوا عليها من قصة هذا القتيل ولا يظهر ذلك من الآية ولا أرى لذكر ذلك طائلًا سوى الطول هذا. اهـ.

.قال الفخر:

إن القوم كانوا عقلاء قبل عرض هذه الآيات عليهم وإذا كان العقل حاصلًا امتنع أن يقال: إني عرضت عليك الآية الفلانية لكي تصير عاقلًا، فإذن لا يمكن إجراء الآية على ظاهرها بل لابد من التأويل وهو أن يكون المراد لعلكم تعملون على قضية عقولكم وأن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء الأنفس كلها لعدم الاختصاص، حتى لا ينكروا البعث، هذا آخر الكلام في تفسير الآية.
واعلم أن كثيرًا من المتقدمين ذكر أن من جملة أحكام هذه الآية أن القاتل هل يرث أم لا؟ قالوا: لا.
لأنه روي عن عبيدة السلماني أن الرجل الذي كان قاتلًا في هذه الواقعة حرم من الميراث لأجل كونه قاتلًا.
قال القاضي: لا يجوز جعل هذه المسألة من أحكام هذه الآية لأنه ليس في الظاهر أن القاتل هل كان وارثًا لقتيله أم لا؟ وبتقدير أن يكون وارثًا له فهل حرم الميراث أم لا؟ وليس يجب إذا روي عن أبي عبيدة أن القاتل حرم لمكان قتله الميراث أن يعد ذلك في جملة أحكام القرآن إذا كان لا يدل عليه لا مجملًا ولا مفصلًا، وإذا كان لم يثبت أن شرعهم كشرعنا وأنه لا يلزم الاقتداء بهم، فإدخال هذا الكلام في أحكام القرآن تعسف.
واعلم أن الذي قاله القاضي حق، ومع ذلك فلنذكر هذه المسألة فنقول: اختلف المجتهدون في أن القاتل هل يرث أم لا، فعند الشافعي رضي الله عنه لا يرث سواء كان القتل غير مستحق عمدًا كان أو خطأ أو كان مستحقًا كالعادل إذا قتل الباغي، وعند أبي حنيفة رحمه الله، لا يرث في العمد والخطأ إلا أن العادل إذا قتل الباغي فإنه يرثه، وكذا القاتل إذا كان صبيًا أو مجنونًا يرثه لا من ديته ولا من سائر أمواله، وهو قول علي وعمر وابن عباس وسعيد بن المسيب، وقال عثمان البتي: قاتل الخطأ يرث وقاتل العمد لا يرث، وقال مالك: لا يرثه من ديته ويرثه من سائر أمواله وهو قول الحسن ومجاهد والزهري والأوزاعي.
واحتج الشافعي رضي الله عنه بعموم الخبر المشهور المستفيض أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ليس للقاتل من الميراث شيء» إلا أن الاستدلال بهذا الخبر إنما يصح لو جوزنا تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد، والكلام فيه مذكور في أصول الفقه، ثم هاهنا دقيقة وهي أن تطرق التخصيص إلى العام يفيد نوع ضعف فلو خصصنا هذا الخبر ببعض الصور فحينئذ يتوالى عليه أسباب الضعف، فإن كونه خبر واحد يوجب الضعف وكونه على مصادمة الكتاب سبب آخر وكونه مخصوصًا سبب آخر، فلو خصصنا عموم الكتاب به لكنا قد رجحنا الضعيف جدًا على القوي جدًا.
أما إذا لم يخصص هذا الخبر ألبتة اندفع عنه بعض أسباب الضعف فحينئذ لا يبعد تخصيص عموم الكتاب به.
واحتج أبو بكر الرازي على أن العادل إذا قتل الباغي فإنه لا يصير محرومًا عن الميراث بأنا لا نعلم خلافًا أن من وجب له القود على إنسان فقتله قودًا أنه لا يحرم من الميراث، واعلم أن الشافعية يمنعون هذه الصورة. والله أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال الزمخشري: في الأسباب والشروط حكم وفوائد، وإنما شرط ذلك لما في ذبح البقرة في من التقرب، وأداء التكليف، واكتساب الثواب، والإشعار بحسن تقديم القربة على الطلب، وما في التشديد عليهم، لتشديدهم من اللطف لهم والآخرين في ترك التشديد، والمسارعة إلى امتثال أوامر الله تعالى، وارتسامها على الفور من غير تفتيش وتكثير سؤال، ونفع اليتيم بالتجارة الرابحة، والدلالة على بركة البر بالأبوين، والشفقة على الأولاد، وتجهيل الهازئ بما لا يعلم كنهه، ولا يطلع على حقيقته من كلام الحكماء.
وبيان أن من حق المتقرب إلى ربه: أن يتنوق في اختيار ما يتقرب به، وأن يختاره فتى السن غير فخم ولا ضَرعٍ، حسن اللون بريئًا من العيوب، يونق من ينظر إليه، وأن يغالي بثمنه، كما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه، أنه ضحى بنجيبة بثلاثمائة دينار، وأن الزيادة في الخطاب نسخ له، وأن النسخ قبل الفعل جائز، وإن لم يجز قبل وقت الفعل وإمكانه لأدائه إلى البدء، وليعلم بما أمر من مس الميت بالميت، وحصول الحياة عقيبه، وأن المؤثر هو المسبب لا الأسباب، لأن الموتين الحاصلين في الجسمين لا يعقل أن يتولد منهما حياة.
انتهى كلامه، وهو حسن.
وقد ذكر المفسرون أحكامًا فقهية، انتزعوها واستدلوا عليها من قصة هذا القتل، ولا يظهر استنباطهم ذلك من هذه الآية.
قالوا: هذه الآية دليل على حرمان القاتل ميراث المقتول، وإن كان ممن يرثه.
وأقول: لا تدل هذه الآية على ذلك، وإنما القصة، إن صحت، تدل على ذلك، لأن في آخرها: فما ورث قاتل بعدها ممن قتله.
وروي عن عمر وعلي وابن عباس وابن المسيب أنه لا ميراث له، عمدًا كان أو خطأً، لا من ديته، ولا من سائر ماله.
وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأبو يوسف، إلا أن أصحاب أبي حنيفة قالوا: إن كان صبيًا أو مجنونًا، ورث.
وقال عثمان الليثي: يرث قاتل الخطأ.
وقال ابن وهب، عن مالك: لا يرث قاتل العمد من ديته، ولا من ماله.
وإن قتله خطأ، يرث من ماله دون ديته.
ويروى مثله عن الحسن ومجاهد والزهري، وهو قول الأوزاعي.
وقال المزني، عن الشافعي: إذا قتل الباغي العادل، أو العادل الباغي، لا يتوارثان لأنهما قاتلان.
وقالوا: استدل مالك في رواية ابن القاسم وابن وهب بهذه القصة، على صحة القول بالقسامة، بقول المقتول: دمي عند فلان، أو فلان قتلني، وقال الجمهور خلافه.
وقالوا في صفة البقرة استدلال لمن قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا، وهو مذهب مالك وجماعة من الفقهاء، قالوا: في هذه الآيات أدل دليل على حصر الحيوان بصفاته، أنه إذا حصر بصفة يعرف بها جاز السلم فيه، وبه قال مالك والأوزاعي والليث والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز السلم في الحيوان.
ودلائل هذه المسائل مذكورة في كتب خلاف الفقهاء، ولا يظهر استنباط شيء من هذا من هذه القصة. اهـ.

.قال السعدي:

اعلم أن كثيرا من المفسرين رحمهم الله، قد أكثروا في حشو تفاسيرهم من قصص بني إسرائيل، ونزلوا عليها الآيات القرآنية، وجعلوها تفسيرا لكتاب الله، محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج».
والذي أرى أنه وإن جاز نقل أحاديثهم على وجه تكون مفردة غير مقرونة، ولا منزلة على كتاب الله، فإنه لا يجوز جعلها تفسيرا لكتاب الله قطعا إذا لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن مرتبتها كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» فإذا كانت مرتبتها أن تكون مشكوكا فيها، وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن القرآن يجب الإيمان به والقطع بألفاظه ومعانيه، فلا يجوز أن تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة، التي يغلب على الظن كذبها أو كذب أكثرها، معاني لكتاب الله، مقطوعا بها ولا يستريب بهذا أحد، ولكن بسبب الغفلة عن هذا حصل ما حصل، والله الموفق. اهـ.